يعتبر زلزال سان فرانسيسكو عام 1906م واحدًا من أسوأ الكوارث في تاريخ الولايات المتحدة وذلك بسبب النيران التي اتقدت بقوة لمدة ثلاثة أيام بعد وقوع الزلزال.
تشمل المخاطر الأخرى أثناء الزلزال اندلاق مواد كيميائية سامة وسقوط أجسام كفروع الأشجار وطوب وزجاج المباني. كما قد تتحطم خطوط الصرف الصحي وينساب ماء المجاري إلى مصادر مياه الشرب العذبة. وقد يسبب شرب مثل هذا الماء غير النقي الكوليرا والتيفوئيد والدوسنتاريا وأمراضًا خطيرة أخرى.
تعطل وتوقف القدرة الكهربائية ووسائل الاتصال وعمليات الانتقال والنقل الحاصلة بعد وقوع الزلزال تعيق عمل فرق الإنقاذ وسيارات الإسعاف، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الوفيات والإصابات. ثم إن مكاتب الأعمال والمكاتب الحكومية قد تفقد سجلاتها ومواردها، الأمر الذي يبطئ عمليات الانتعاش والإغاثة بعد الكارثة.
تقليل حجم الدمار الزلزالي. معرفة أين تبني وكيف تبني، في المناطق المعرضة لوقوع الزلازل تساعد في تقليل عدد الوفيات ودمار الممتلكات عند وقوع الزلزال وكذلك فإن إدراكك لما تفعل عند وقوع زلزال يساعد أيضًا في منع الإصابات والوفيات.
أين تبني. يحاول العلماء تعريف وتحديد المناطق التي يحتمل أن تعاني من دمار كبير لدى وقوع الزلزال. وهم ينشئون ويطورون خرائط تُوضح أماكن الصدوع ومسطحات الفيضان (المناطق التي سبق أن تعرضت للفيضان) والمناطق المعرضة لانزلاقات أرضية أو تميع للتربة. وكذلك فإن العلماء يحددون المواقع من الأرض التي تعرضت لزلازل سابقة. حدد مخططو استعمالات الأراضي بالاعتماد على هذه الخرائط مناطق من الأرض اعتبرت غير آمنة، الأمر الذي ساعد في التحذير من إنشاء وإقامة أبنية غير آمنة في هذه المناطق المعرضة لضرب الزلازل.
كيف تبني. طور المهندسون عدة طرق لبناء أبنية مقاومة للزلازل، وتتراوح تقنياتهم من البساطة المتناهية إلى التعقيد لحد ما. تشمل تقنية استخدام الأسمنت المسلح في المباني الصغيرة والمتوسطة الحجم تثبيت المباني إلى قواعدها بالقضبان المعدنية وتزويدها بجدران داعمة تسمى جدران قص. تساعد جدران القص المشيدة من الإسمنت المسلح (إسمنت متضمنًا قضبان معدنية) في تقوية البناء وفي الصمود أمام القوى المطبقة على الصخر تُشكِّل إقامة جدران قص في وسط مبنى حول نفق مصعد أو بئر سلم يسمى عمود القص المركزي. ويمكن تسليح الجدران بدعائم فولاذية مائلة في تقنية تسمى التدعيم المتقاطع.
يحمي البناءون المباني متوسطة الحجم أيضًا باستخدام أجهزة تعمل على امتصاص الصدمة توضع بين جسم المبنى وقواعده. تسمى هذه الأجهزة العوازل القاعدية، وهي عبارة عن سنادات مصنوعة من طبقات متعاقبة من الفولاذ ومادة مطاطية مرنة كالمطاط الصناعي. تمتص العوازل القاعدية الحركة الجانبية والتي لولا وجود العوازل هذه لسببت دمارًا كبيرًا للمبنى.
يلزم استخدام طريقة بناء خاصة لإقامة ناطحات سحاب مقاومة للزلازل. ويجب أن تغرز عميقًا وبأمان في الأرض، كما يلزم استخدام شبكة من الحديد المسلح بوصلات أكثر قوة من تلك المستعملة في ناطحات السحاب العادية وذلك لجعل الناطحات قوية ومرنة إلى درجة تستطيع معها الصمود أمام الزلازل.
تُثبَّت الأدوات الثقيلة والأثاث والتراكيب الأخرى الموجودة في المنازل والمدارس وأماكن العمل الأخرى المصممة لمقاومة الزلازل وذلك لمنعها من السقوط أو الانقلاب لدى اهتزاز المباني. كما يجب تسليح خطوط الماء والغاز بمفاصل خاصة قابلة للانثناء وذلك لمنع تحطمها عند وقوع الزلزال.
احتياطات السلامة. هي أمر حيوي عندما يقع الزلزال. فبمقدور الناس أن يحموا أنفسهم بأن يقفوا تحت إطارات الأبواب أو يزحفوا ويختبئوا تحت المناضد والمقاعد ريثما يتوقف الزلزال. وعليهم ألا يخرجوا إلى خارج المباني حتى يتوقف الاهتزاز تمامًا.
كما أنه يتعين عليهم استخدام الاحتياطات البالغة حتى بعد توقف الزلزال. قد يُتْبَع الزلزال الكبير بزلازل عديدة صغيرة تسمى روادف أو توابع وعلى الناس أن يبقوا بعيدًا عن الجدران والنوافذ والتراكيب التي أصابها الدمار إذ أنها قد تنهار في تابعة زلزالية. وعلى الذين يكونون خارج المباني عند وقوع الزلزال أن يتحركوا بعيدًا عن الأشجار العالية والمنحدرات الشديدة والمباني وخطوط القدرة الكهربائية. وإن كانوا بالقرب من جسم مائي كبير فعليهم الانتقال إلى أرض مرتفعة.
أين تقع الزلازل ولماذا
طور العلماء نظرية تدعى حركية الصفائح القارية وهي تفسر سبب وقوع معظم الزلازل. وحسب هذه النظرية فإن قشرة الأرض الخارجية تتألف من حوالي عشر صفائح كبيرة صلبة وحوالي عشرين صفيحة أصغر حجمًا. تتألف كل صفيحة من قطاع من قشرة الأرض وجزء من وشاح الأرض. والأخير هو طبقة سميكة من مصهور صخري حار يقع تحت قشرة الأرض. ويطلق العلماء على هذه الطبقة من قشرة الأرض مع الجزء العلوي من الوشاح اسم الغلاف الصخري. تتحرك الصفائح حركة دائبة بطيئة فوق نطاق الانسياب وهو طبقة من مصهور الصخر الحار الناعم الطري توجد في الوشاح. ولدى تحرك الصفائح، فإنها قد تتصادم مع بعضها بعضًا أو أنها تتباعد بعضها عن بعض أو أنها تنزلق إحداها فوق الأخرى.
تؤدي حركة الصفائح إلى إجهاد الصخور على حدود التقاء الصفائح بعضها ببعض وتشكيل نطاق صدوع حول حدود الصفائح هذه. قد تُحْشَر الصخور في مكان ما على طول امتداد بعض الصدوع بحيث لا تستطيع الانزلاق عند تحرك الصفائح، وهكذا يتولد جهد في الصخور الواقعة على جانبي الصدع يؤدي إلى تكسرها وزحزحتها على هيئة زلزال. انظر: تشكل الصخور، علم.
هناك ثلاثة طرز من الصدوع: 1- صدوع عادية 2- صدوع معكوسة 3- صدوع انزلاقية مضربية. في الصدوع العادية والمعكوسة ينحدر الكسر الحاصل في الصخر إلى أسفل كما تتحرك الصخور إلى أعلى أو أسفل على طول الكسر. وفي الصدع العادي تنزلق كتلة الصخر في الجانب العلوي من الكسر إلى أسفل. أما في الصدع المعكوس فيكون الصخر على جانبي الصدع مضغوطًا بشكل كبير، وإن قوى الضغط تؤدي إلى انزلاق كتلة الصخر العليا إلى أعلى وإلى رمي كتلة الصخر السفلى إلى أسفل. وفي صدع المضرب يمتد الكسر مستقيمًا أو تنزلق الكتل الصخرية على امتداد الكسر الواحدة منها بإزاء الأخرى بشكل أفقي.
تقع معظم الزلازل في نطق الصدوع على حدود الصفائح وتعرف مثل هذه الزلازل الزلازل بين الصفائح، كما تقع بعض الزلازل الأخرى في داخل جسم الصفيحة ذاتها وتسمى في هذه الحال الزلازل داخل الصفيحة.
الزلازل بين الصفائح. وتقع على امتداد أنماط ثلاثة من حواف الصفائح القارية وهي: 1- حيد اتساع قيعان المحيطات 2- نُطُق الغوص 3- صدوع تحولية.
حيد اتساع قيعان المحيطات. هي أماكن في قاع أحواض المحيطات العميقة، حيثما تتحرك صفائح مبتعدة بعضها عن بعض. لدى انفصال الصفائح بعضها عن بعض، تصعد اللابة الساخنة القادمة من الوشاح وتنحشر بين الصفائح، تبرد اللابة تدريجيًا وتتقلص وتتشقق محدثة صدوعًا. وتكون معظم الصدوع المتشكلة صدوعًا عادية. وعلى طول امتداد الصدوع تتكسر كتل من الصخر وتنزلق إلى أسفل بعيدًا عن الحيد الجبلية في قاع المحيط وتحدث زلزالاً. تكون الصفائح بالقرب من الحيد الجبلية المحيطية رفيعة وضعيفة كما يكون الصخر ساخنًا، لم يبرد بعد ولا يزال مرنًا قابلاً للانثناء إلى حد ما. ولهذه الأسباب فإنه لا تتشكل إجهادات كبيرة في الصخر. وتكون معظم الزلازل التي تقع بالقرب من حيد قيعان المحيطات ضحلة متوسطة إلى بالغة العنف.
نطق الغوص حدود تصادم صفيحتين حيث تدفع حافة صفيحة تحت حافة صفيحة أخرى في عملية تسمى الغوص أو الاندساس. وبسبب قوى الكبس على هذه النطق فإن العديد من الصدوع الحادثة تكون صدوعًا معكوسة. يقع حوالي 80% من الزلازل في نطق غوص تحلِّق (أو تحيط) المحيط الهادئ أسفل الصفائح الحاملة للقارات. يسبب انسحاق الصفائح المحيطية الأكثر برودة والقابلة للتكسر تحت الصفائح القارية إجهادات عظيمة تنطلق على هيئة زلازل عالمية كبيرة.
تقع أعمق الزلازل العالمية عند نطق غوص على عمق حوالي 700كم، وتحت هذا العمق يكون الصخر ساخنًا ولزجًا بحيث لا يمكن تكسره فجأة وإحداث زلزال.
صدوع تحولية. هي أماكن انزلاق الصفائح الواحدة إزاء الأخرى أفقيًا، وتقع صدوع انزلاق مضربية هناك أيضًا. قد تكون الزلازل الواقعة على امتداد الصدوع التحولية كبيرة، لكنها لا تكون بكبر أو عمق الزلازل على نُطُق الغوص.
أحد أعظم الصدوع التحولية شهرة هو صدع سان أندرياس حيث حدثت الانزلاقات التي حرَّكت صفيحة المحيط الهادئ فوق صفيحة أمريكا الشمالية. ويعتبر صدع سان أندرياس والصدوع الأخرى المصاحبة له سببًا في معظم الزلازل في كاليفورنيا. انظر: سان أندرياس، صدع .
الزلازل داخل الصفائح. ليست شائعة ولا كبيرة مثل تلك الزلازل التي تقع على طول حدود الصفائح. أكبر هذه الزلازل يكون أصغر مائة مرة من الزلازل بين الصفائح الكبيرة.
تميل الزلازل داخل الصفيحة إلى الوقوع في المناطق الضعيفة الهشة من داخل الصفيحة. ويعتقد العلماء أن الزلازل داخل الصفيحة تنتج عن إجهادات تطبق على داخل الصفيحة من جراء تغيرات الحرارة والضغط داخل الصخر، كما قد يكون مصدر الإجهاد موجودًا على حدود صفيحة قارية بعيدًا. قد تؤدي هذه الإجهادات إلى وقوع زلازل على طول امتدادات الصدوع العادية والمعكوسة وصدوع الانزلاق المضربية.
دراسة الزلازل
تسجيل وقياس وتحديد مواقع الزلازل. من أجل تحديد قوة ومواقع الزلازل، يستعمل العلماء آلة تسجيل تسمى مرسمة الزلازل (سيسموجراف). ويزود مسجل الزلازل بلواقط حساسة تسمى مقياس الزلازل تستطيع رصد حركة الأرض الناجمة عن الموجات السيزمية الصادرة من الزلازل القريبة والبعيدة. تكون بعض مؤشرات الزلازل قادرة على رصد حركة الأرض إلى حدود واحد من مائة مليون من السنتيمتر. انظر: مرسمة الزلازل .
يقيس علماء الزلازل حركات الأرض السيزمية في ثلاثة اتجاهات: 1- من أعلى لأسفل 2- من الشمال للجنوب 3- من الشرق للغرب. ويستعمل العلماء لاقطًا حساسًا منفصلاً لتسجيل كل اتجاه من اتجاهات حركة الأرض.
يُصْدِر مسجل الزلازل خطوطًا متموجة تعكس حجم الموجات السيزمية التي تسري تحته، وتُسجَّل الموجة برسمها على ورق أو على شريط تسجيل أو بتخزينها وعرضها بالحاسبات الآلية.
قد يكون مقياس ريختر الموضعي للقدر الزلزالي من أحسن ما يستعمل لقياس شدة الزلازل. وقد طوّر هذا المقياس عام 1935م عَالِم الزلازل الأمريكي تشارلز ريختر. يقيس هذا المقياس المعروف بمقياس ريختر حركة الأرض التي يسببها الزلزال. وتعني كل زيادة بمقدار رقم واحد (تدريج واحد) على مقياس القدر الزلزالي أن الطاقة التي يطلقها زلزال تبلغ 32 ضعفًا. مثال ذلك، أن زلزالاً ذا قدر زلزالي مقداره سبع درجات ـ يطلق 32 ضعفًا من الطاقة التي يطلقها زلزالٌ ذو قَدْر زلزالي مقداره ست درجات. وزلزال مقداره أقل من 2 يعتبر زلزالا خفيفًا إلى درجة أن الإحساس به لا يحصل إلا على مؤشرات الزلازل فقط. كما أن زلزالاً ذا قَدْر زلزالي بلغ سبع درجات يمكن أن يدمر عددًا كبيرًا من المباني. ويزداد قدر الزلازل بعشرة أضعاف عند كل نقصان رقم واحد (تدريج واحد) في مقياس (ريختر) للقدر الزلزالي. فمثلاً، عدد الزلازل ذات القدر الزلزالي ست تعادل عشرة أضعاف عدد الزلازل ذات القدر الزلزالي 7. انظر: ريختر، قوة.
تُسجل زلازل كبيرة على مقياس ريختر بشكل عادي. ولكن العلماء يفضلون وصف الزلازل ذات القدر الزلزالي البالغ أكثر من سبع درجات باستعمال مقياس العزم الزلزالي. يقيس مقياس العزم الزلزالي هذا مجمل الطاقة التي يطلقها الزلزال. كما أنه يصف الزلازل الكبيرة بدقة أكبر مما يفعل مقياس ريختر.
أكبر زلزال سُجِّل على مقياس العزم الزلزالي، بلغ قدرًا زلزاليًا مقداره تسع درجات ونصف الدرجة، وكان هذا الزلزال زلزالاً بين صفائحي، وقع على امتداد سواحل المحيط الهادئ في تشيلي في أمريكا الجنوبية عام 1960م. وبلغت شدة زلزال سومطرة في عام 2004م 8,9 درجة. أنظر:تسونامي. وأكبر زلزال داخل صفائحي معروف هو ذلك الذي ضرب وسط آسيا والمحيط الهندي أعوام 1905م، 1920م، 1957م، وتراوح العزم الزلزالي لهذه الزلازل بين ثماني درجات وثمان وثلاثة من عشرة من الدرجات.
يستطيع العلماء تحديد مواقع الزلازل بالاعتماد على قياس الزمن الذي تستغرقه الموجات الباطنية حتى تصل إلى مرسمات الزلازل الموضوعة في ثلاثة أماكن مختلفة على الأقل. ومن أزمان وصول هذه الموجات يستطيع علماء الزلازل حساب بُعْد الزلزال عن كل مرسمة. وحالما يعرفون بُعْد الزلزال عن كل من ثلاثة أماكن فإنهم يستطيعون تحديد مكان بؤرة الزلزال الكائنة عند مركز الأماكن الثلاثة.
التنبؤ بوقوع الزلازل. يستطيع العلماء توقع ومعرفة مواقع الزلازل على المدى الطويل. وذلك بدقة لا بأس بها. فهم يعرفون مثلاً أن حوالي 80% من الزلازل العالمية الرئيسية تقع على امتداد حزام طوق المحيط الهادئ، ويعرف هذا الحزام باسم حلقة النار لاحتوائه على العديد من البراكين والزلازل ونشاطات جيولوجية أخرى.
يعمل العلماء على إصدار نشرة دقيقة عن توقع زمن حدوث الزلازل في المستقبل. ويتابع الجيولوجيون بدقة نطق صدوع معينة يتوقعون حدوث زلازل عندها. وعلى امتداد نطق الصدوع هذه، يرصد العلماء زلازل صغيره وتخلعات وميلان في الصخور وحوادث أخرى تشير كلها إلى أن زلزالاً كبيرًا على وشك الوقوع.