اقتراب المريخ من الأرض
ظاهرة فلكية نادرة ستعيشها الأرض يوم الأربعاء 27 أغسطس الجاري.. لم يتسن لأي من الأحياء على الأرض مشاهدتها من قبل؛ حيث ستتقارب الأرض من المريخ؛ وهو ما لا يحدث إلا مرة واحدة كل 60 ألف سنة.. ومرد ذلك إلى أن الكوكبين يتبعان في دورانهما حول الشمس مدارًا إهليلجيًّا وليس دائريًّا.
وأكد علماء الفلك أن هذا الموعد الفضائي المرتقب سيتيح للعلماء وهواة العلوم الفلكية مشاهدة كوكب المريخ الأحمر بوضوح كبير؛ بحيث قد يصل الأمر إلى حد مشاهدة الكتلة الجليدية التي تغطي جزءًا كبيرًا منه عبر تليسكوب متوسط الحجم.
يذكر الفلكيون أن كوكب المريخ يظهر حاليًا بلمعانه المشع في الفضاء الكوني بدءًا من منتصف الليل في جنوب شرقي الأفق، وسيزداد توهجًا في الفترة المقبلة ليبلغ ذروة لمعانه يوم 27 أغسطس؛ حيث لن يتفوق عليه إلا كوكب الزهرة.
حاليا تقترب الأرض من كوكب المريخ 30 كيلومترا كل 5 ثوان. ويتوقع الخبراء أن تصل المسافة الفاصلة بين الأرض والمريخ يوم الأربعاء إلى أقصر مسافة ممكنة، قدروها بحوالي 186 ثانية ضوئية (حوالي 55.8 مليون كم).
وسيكون الزمن الذي يستغرقه وصول إشارات الضوء وموجات الراديو للمريخ في هذا الوقت 3 دقائق و6 ثوان فقط، بينما تحتاج أي إشارة من الأرض في الأحوال العادية إلى حوالي 21 دقيقة لتصل إلى المريخ.
وتؤكد المصادر الفلكية أن إمكانية متابعة هذا الحدث الفلكي الفريد والمثير متاحة للجميع بمن في ذلك الهواة المولعون بأسرار الفضاء، وستحين فرصة تاريخية للناس لرؤية المريخ في أسطع حالة له؛ إذ يكفيهم استعمال منظار عادي (تيليسكوب) لمشاهدة الكوكب الأحمر.
وستمكن رؤية المريخ بوضوح بمجرد النظر نحو السماء الشرقية أو الجنوب شرقية في أي ليلة صافية بعد حلول الظلام؛ حيث سيشرق عند غروب الشمس، ويغرب عند شروقها، مثله مثل القمر؛ لأنه يع** ضوء الشمس باتجاهنا، وسيظهر بلون أصفر برتقالي ناري. وعلى هواة مراقبة السماء أن يدركوا أن المريخ سيظهر للعين المجردة كنقطة ضوء بعيدة.
ومن الآن حتى شهر سبتمبر (أيلول) القادم سيبرق المريخ بلون التوباز، وسيكون أكثر لمعانا من أي جرم آخر في السماء، ما عدا في تلك الليالي عندما يكون القمر قريبا.
وسيكون تلاشي المريخ من الرؤية بطيئًا وتدريجيًّا؛ إذ سيستمر المريخ باللمعان في أسطع درجة لمعان له حتى الثاني من سبتمبر.
اقتران الأرض والمريخ
المريخ كما ظهر من تليسكوب قطره 8 بوصات يوم 11 يونيو 2003
وتمر الأرض بين الشمس وكوكب المريخ كل سنتين تقريباً في حادثة تعرف باسم الاقتران، وفي هذه الحالة تقع الأرض والمريخ على مستوى واحد مع الشمس. وخلال هذا الوقت تصل المسافة بين الأرض والمريخ إلى أقل قيمة لها، ويبدو المريخ كقرص لامع أكبر من المعتاد؛ الأمر الذي يجعل هذا الوقت هو أفضل الأوقات لرصده ورصد المظاهر السطحية والمناخية له.
تأتي أفضل أوقات الاقتران مرة كل دورة مدتها حوالي من 15 إلى 17 سنة. ويرجع ذلك إلى أن مدار كوكب المريخ حول الشمس وكذلك مدار الأرض حول الشمس ليسا دائريين تماما؛ حيث تدور الأرض حول الشمس في مدار إهليلجي، وكذلك كوكب المريخ الذي يعتبر نسبيا أكثر إهليلجية من مدار الأرض، هذا بالإضافة إلى اختلاف سرعة دوران المريخ والأرض حول الشمس.
ويقع أدنى اقتراب للمريخ من الأرض في فترة زمنية تصل إلى عدة أيام بعد حصول الاقتران. وتتغير المسافة بين الأرض والمريخ في وضع الاقتران بين 55.63 مليون كم و100.8 مليون كم، ويحدث أفضل اقتران عندما تكون المسافة بين المريخ والأرض أقل ما يكون (أي على مسافة 55.63 مليون كم من الأرض، وهو ما يقع كل 15 إلى 17 سنة).
يُذكر أن كوكب الأرض اقترب سابقًا من كوكب المريخ بمسافات قريبة نسبيًّا في السنوات 1766 و1845 و1924م، وفقًا للدراسات والأبحاث الفضائية الموثقة، ولكن ليس إلى الحد الذي سيصل إليه يوم 27 أغسطس الحالي.
وفي 28 أغسطس سيصبح المريخ في نقطة اقتران عندما تشكل الشمس والأرض والمريخ خطًّا مستقيمًا في الفضاء بوجود المريخ والأرض على نفس الجهة من الشمس. وعندما تكون الكواكب في حالة اقتران فهي تقع مقابل الشمس بالضبط في سمائنا؛ إذ تظهر في الغروب، وتصل إلى أعلى نقطة لها في منتصف الليل، ثم تختفي بالشروق.
ويصبح المريخ في نقطة تقابُل كل 26 شهرا، ولكن لأن المريخ والأرض يتحركان في مدارات بيضاوية الشكل فلا يكون كل تقابلين متشابهين. وهذه السنة يعتبر التقابل الذي سيحدث أروع من كل ما سبقه في الستين ألف سنة الماضية؛ لأن المريخ سيكون في أقرب نقطة للشمس؛ وهو ما يعرف بالحضيض الشمسي، ونادرا ما يحدث مثل هذا التقابل.
ولأن المريخ والأرض يتبعان مدارات بيضاوية الشكل حول الشمس؛ فيحدث وجود المريخ في أقرب موقع للأرض بعدة أيام قبل أو بعد حدوث التقابل. وهذه السنة سيصل المريخ الحضيض الشمسي باثنتين وأربعين ساعة قبل حدوث التقابل.
لذلك في 27 أغسطس -وفقا لما قاله عالم الفلك الأمريكي "مايلز ستاندش" في مختبرات الدفع النفاث في وكالة «ناسا» الفضائية لموقع "سبيس.كوم"- فإن المريخ سيكون على بعد 55.758 مليون كم عن الأرض في الساعة 5:51 صباحا بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة (09.51 صباحا بتوقيت جرينتش)، وهي أقرب مسافة يمكن للمريخ فيها أن يتوجه إلى الأرض.
وسيحدث التقابل في اليوم التالي الموافق 28 أغسطس، ولن يحدث التقابل التالي الذي سيكون فيه المريخ قريبا مثل هذا حتى 29 أغسطس في عام 2287. أما التقابل التالي للمريخ ففي شهر نوفمبر من عام 2005، ولكن المريخ سيبعد أكثر من 8 ملايين ميل عن الأرض مقارنة مع التقارب الشديد هذا الشهر، ومن المثير للاهتمام أن للمريخ دورة تتم كل 79 سنة؛ حيث تتكرر ظروف التقابل بشكل متطابق.
المياه تغير تاريخ المريخ
نشر موقع وكالة ناسا "NASA" للفضاء تقريرًا عن احتمال وجود مياه جوفية على سطح المريخ، ولوجود بعض الأخطاء العلمية الطفيفة فيما نشرته العديد من وكالات الأنباء عن الخبر قررت ناسا عمل مؤتمر صحفي للعالمين Michael C.Malin و Kenneth S. Edgett صاحبَيْ الاكتشاف في 22 يونيو لتوضيح الخبر، كما سيتم نشر ورقة البحث في مجلة Science عدد 30 يونيو.
وهذا الاكتشاف قد يُغَيِّر تاريخ الاكتشافات على كوكب المريخ، فقد استطاع العلماء باستخدام الصور والبيانات المرسلة من سفينة الفضاء الخاصة بوكالة ناسا Mars Global Surveyor )MGS) والتي تقوم بالمسح الأرضي لكوكب المريخ، إدراك بعض المقومات التي تقترح وجود مصادر حالية للمياه على سطح الكوكب الأحمر، أو بالقرب من السطح على أعماق قريبة.
وكوكب المريخ كوكب صحراوي غير مُرَجَّح وجود المياه على سطحه، فمتوسط درجة الحرارة عليه أقل من الصفر، والضغط الجوي له ثلاثة أضعاف الضغط المُبَخِّر للمياه، لكن في عام 1972 تم تصوير بعض الشواهد التي تدل على إمكانية تواجد الماء على سطح الكوكب في وقت ما في الماضي (من بلايين السنين)، وكانت هذه الصور تظهر آثارًا لقنوات تدفق كبيرة، يتفرع منها شبكة من الأودية الصغيرة، وقد تساءل العلماء كثيرًا: أين يمكن أن تكون قد ذهبت تلك المياه ؟!
وقد وصلت السفينة المدارية (MGS) إلى الكوكب في عام 1997، وكانت أولى النتائج التي توصلت إليها عن طريق أبحاث الكاميرا المدارية (MOC) غياب أي دليل لمصادر التدفقات السطحية التي تَمَّ اكتشافها من قبل، فعلى سبيل المثال لا يوجد أي جداول أو أخاديد، بل واقترحت أن معظم هذه التكوينات والتضاريس قد تكونت نتيجة انهيار بعض الممرات الطويلة لنشأتها المنحدرة، لكن دون وجود أثر لانحدار سطحي واضح أو من المحتمل – وهو الأكثر احتمالاً – أن تكون عوامل التعرية والتآكل قد أَخْفَت أو مَحَت آثار مصادر تلك التدفقات السطحية، وأيًّا كان التفسير لغياب مصادر تلك التدفقات، فإن احتمال وجود ماء جارٍ على سطح المريخ في الماضي، وخاصة في الماضي القريب كان احتمالاً ضئيلاً.
في نفس الأثناء مع بداية البحث كان هناك بعض الإشارات لرواية معقدة عن تسرب الماء للسطح من تحت الأرض، فقد لوحظ وجود بعض الفوهات قد تكون ساعدت في هذا التسرب، ومع استمرار الملاحظة والبحث باستخدام صور أعلى ثباتًا استطاع الباحثون زيادة احتمال أن يكون هذا التسرب هو مصدر آثار التدفقات السطحية، ويكون هذا هو جزء من الماء المختفي منذ زمن بعيد.
في يناير 2000م أوضحت بعض الصور ما ترجمه الباحثون على أنه نتيجة لتسرب سائل من تحت الأرض، وتدفقه على السطح، فقد تتبعت الصور ثلاثة من التكوينات السطحية - التي تمثل تدفقات للمياه - ووجد أن مصدرها يمثل فجوة أو حفرة، ثم يتفرع منها بعض القنوات الفرعية، والرواسب في هذه القنوات كانت متماسكة بفعل حركة السائل عليها.
ومع استمرار المشاهدات، وُجِدَ أن ثلث تلك التكوينات تقع في الداخل على القمم المركزية، وتنبع من فوهات، والربع ينبع من حفر مميزة في القطب الجنوبي للكوكب، والخُمْس يقع على اثنين من أكبر الوديان على سطح الكوكب وهما: وادي Nirgal ووادي Dao ، كما وجد أن حوالي 50% من هذه الظواهر تنحدر نحو الجنوب، و20% منها فقط تنحدر نحو الشمال، و90% منها تقع جنوب خط الاستواء.
كما وجد أن بعض تكوينات التدفقات ليس لها فوهة، ويحتمل أن يكون غياب الفوهة نتيجة لصغر سنها الجيولوجي، أي أنها مكونة حديثًا، أما الأخريات والتي لها فوهة أو حفرة لها أيضًا بعض الخصائص التي تدل على حداثة تكوينها مما يساعد في تأكيد الوجود الحالي للماء.
كما وجد أن معظم تلك التكوينات توجد في الأماكن التي لا يصلها ضوء الشمس إلا لمدد قصيرة من نهار المريخ، وقد فَسَّر العلماء إمكانية تدفق الماء على سطح الكوكب رغم ارتفاع الضغط الجوي على سطحه والذي يؤدي إلى تبخر الماء إذا وصل إلى السطح، بأن الماء الذي يصل للسطح عندما يتبخر يعمل على تبريد السطح، مما قد يؤدي إلى تجمد قطرات الماء الباقية نتيجة للضغط العالي فتقوم ببناء سَدٍّ ثلجي يحتجز الماء خلفه، وعندما ين**ر تتدفق المياه على السطح.
إن أهمية هذا الاكتشاف تَكْمُن في إحيائه الأمل من جديد لوجود ماء على المريخ، وما يحمله هذا من تخيلات عديدة لا نهاية لها فوجود الماء يؤهل الكوكب لحياة الإنسان عليه، فهو كما يوفر له ماء الشرب يوفر جوًّا مناسبًا للتنفس، وبتحليل الماء إلى أ**جين وهيدروجين يستخدم كوقود لسفن الفضاء يصبح المريخ محطة جديدة للوصول لما هو أبعد، ووجود الماء أيضًا يدل على إمكانية تواجد حياة على سطح المريخ!!
من الأرض إلى المريخ في أسبوعين
ما زال الكون الفسيح بنجومه وكواكبه وأقماره من أكثر ما يثير فضول البشر لمعرفة أسراره وحل طلاسمه، إلا أن طول الوقت الذي تستهلكه الرحلات الفضائية للسفر عبر الفضاء من أكثر العوامل التي تقف حائلاً أمام تحقيق تلك الطموحات بالمستوى المطلوب، لكنها لن تظل هكذا كثيرًا، فقد استطاع مجموعة من الباحثين في "جامعة بن جوريون" بإسرائيل استخدام نوع جديد غير مألوف من الوقود النووي يمكنه زيادة سرعة السفر عبر الفضاء بشكل ملحوظ؛ حيث يمكن باستخدام الوقود الجديد قطع الرحلة من الأرض إلى المريخ فقط في أسبوعين، بينما تأخذ نفس الرحلة باستخدام الوقود النووي الحالي من ثمانية إلى عشرة أشهر؛ مما سيعني قفزة حقيقية في عالم السفر عبر الفضاء إذا تم استخدامه.
فرغم أهمية المفاعل النووي داخل أي سفينة فضاء كوسيلة لإمدادها بالطاقة النووية اللازمة لحركتها عبر الفضاء، فإن ثقل وزن المفاعل كان أهم معوق لسرعة هذه الحركة؛ لذلك كان تخفيف وزن المفاعل النووي في السفينة الفضائية هو التحدي الحقيقي أمام أي باحث يحاول زيادة سرعة السفر عبر الفضاء. وبتحديد أهم عناصر المفاعل التي تؤدي إلى زيادة وزنه توصل الباحثون إلى أن الوقود النووي هو أهم تلك العناصر، وبالتالي حاولوا إيجاد بديل أخف من اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239 المستخدمين حاليًا كوقود نووي للمفاعلات الفضائية.
وبالفعل استطاع العلماء التوصل إلى استخدام المعدن النووي النادر إلى حد ما "أميريسيوم 242" (Americium-242m ) كوقود نووي يعد مثاليًا للمفاعلات النووية الفضائية؛ فهذا المعدن يحتاج إلى 1% فقط من وزن اليورانيوم أو البلوتونيوم للوصول إلى الحالة الحرجة، وبالتالي فهو يخفض من وزن الوقود النووي الحالي بشكل كبير مما يزيد من سرعة السفينة.
كما أن عملية الانشطار النووي خلال هذا المعدن تتم على شكل غشاء معدني رقيق جدا لا يتعدى سمكه جزءًا من الألف من المليمتر، وفي هذه الحالة تستطيع نواتج الانشطار من شظايا ذات حرارة مرتفعة وطاقة عالية جدًا الفرار من عنصر الوقود، وبالتالي يمكن استخدام تلك الشظايا ذات الطاقة العالية إما كقوة دفع بذاتها وإما لتسخين غاز يُستخدم كقوة دفع؛ حيث إن الحرارة الشديدة الناتجة تعمل على زيادة سرعة سير سفينة الفضاء أضعاف أضعاف سرعتها الحالية، فمثل تلك الشظايا الناتجة عن الانشطار غير متاحة في حالة استخدام البلوتونيوم أو اليورانيوم؛ حيث يحتاج المفاعل إلى كمية كبيرة إلى حد ما من تلك المعادن، وبالتالي تعمل تلك الكمية على امتصاص نواتج الانشطار.
ورغم التفوق الواضح الذي أظهره هذا الوقود النووي الجديد فإنه ما زال أمامه العديد من العقبات يجب أن يتخطاها قبل أن يتم استخدامه بصورة فعلية في الرحلات الفضائية، أهمها: إنتاجه بكميات كافية؛ حيث يتم إنتاجه من البلوتونيوم 241 والأميريسيوم 241 -وهي مواد متاحة بكميات صغيرة إلى حد ما -عن طريق خطوات عديدة ذات تكلفة عالية، كما أنه حتى الآن لم يخضع لاختبارات عملية مهمة مثل احتياطات الأمان للاستخدام في السفن التي تقل بشرًا.
لكن في النهاية يبقى السؤال: هل بالفعل سيسافر البشر إلى الكواكب بهذا الابتكار الإسرائيلي المذهل أم يمكن استخدامه استخدامات أخرى على الأرض؟!
-